دار ابن الجوزي - الرياض

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/2

1650ج.م

tadrib alraawi fi sharh taqrib alnawawi 1/ 2 تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/2

تأليف جلال الدين السيوطي

بعناية مازن محمد السرساوى

تمهيد

يشتمل على بداية التصنيف في المصطلح حتى عصر «التدريب»

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله. يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )

[آل عمران : ١٠٢]. ويَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء : ١].

تَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب : ۷۰ - ۷۱] .

أما بعد؛

فإن أصدق الحديثِ كتابُ الله وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد :

فإنَّ الاشتغال بالعلم من أفضل القُرَب وأجَلُ الطاعات، وأهم أنواع الخير واكد العبادات، وأَوْلَى ما أُنْفِقَت فيه نفائس الأوقات، وشَمَّر في إدراكه والتَّمَكُن فيه أصحاب الأنفاس الزكيَّات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات، وسابق إلى التَّحَلّى به مُسْتَبِقو المَكْرُمَات، وقد تظاهرت على ما ذكرته جُمَل من الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة المشهورات، وأقاويل السلف الله النيرات، ولا ضَرُورة لذِكْرِها هنا لكونها من الواضحات الجليات.

ومن أهم أنواع العلوم تحقيقُ معرفة الأحاديث النبويات، أعني معرفةً متونها ؛ صحيحها وحسنها وضعيفها متّصلها ،ومرسلها، ومنقطعها ومعضلها، ومقلوبها ومشهورها، وغريبها وعزيزها، متواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها، ومُنْكَرِها ومُعَلَّلِها، وموضوعها ومُدْرَجها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها ، ومُجملها ومُبَيَّنها ومختلفها وغير ذلك من أنواعها المعروفات، ومعرفة علم الأسانيد ؛ أعني معرفة حال رجالها وصفاتهم المعتبرة، وضبط أسمائهم وأنسابهم ومواليدهم ووَفَيَاتِهِم، وغير ذلك من الصفات، ومعرفة التدليس والمدلسين، وطرق الاعتبار والمتابعات، ومعرفة حكم اختلاف الرواة في الأسانيد والمتون والوصل والإِرْسَال، والوقف والرفع، والقطع والانقطاع وزيادات ،الثقات ومعرفة الصحابة والتابعين، وأتباعهم وأتباع أتباعهم ومَنْ بَعدَهم الله وعن سائر المؤمنين والمؤمنات، وغير ما ذكرته من علومها المشهورات ودليلُ ما ذكرتُه : أَنَّ شرعَنا مَبْنِيٌّ على الكتاب العزيز والسنن المرويات، وعلى السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات؛ فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات وبيانُها في السنن المُحْكَمات، وقد اتفق العلماء على أن مِنْ شَرْطِ المجتهد من القاضي والمفتي أن يكون عالمًا بالأحاديث الحُكْمِيات فتبين بما ذكرناه أن الانشغال بالحديث من أجل العلوم الراجحات وأفضل أنواع الخير وآكد القربات وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل مع ما ذكرناه على بيان حال أفضل المخلوقات، عليه من الله الكريم أفضل الصلوات والسلام والتبريكات، ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الأعصار الخاليات حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوف متكاثرات، فتناقص ذلك وضعفت الهمم فلم يبق إلا آثار من آثارهم قليلات والله المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات، وقد جاء في فضل إحياء السنن المماتات أحاديث كثيرة معروفات مشهورات، فينبغي الاعتناء بعلم الحديث والتحريض عليه لما ذكرنا من الدلالات، ولكونه أيضًا من النصيحة لله تعالى وكتابه ورسوله الله وللأئمة والمسلمين والمسلمات وذلك هو الدين كما صح عن سيد البَرِيَّات، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وذريته وأزواجه الطاهرات ولقد أحسن القائل: «من جمع أدوات الحديث استنار قلبه واستخرج كنوزه الخفيات، وذلك لكثرة فوائده البارزات والكامنات»، وهو جدير بذلك فإنه كلام أفصح الخلق ومن أعطي جوامع الكلمات، صلى الله عليه وسلم صلوات متضاعفات (۱) .

وإن من أهم أدوات الحديث ؛ بل هو الباب الذي يدخل منه إليه، ولا يكاد أحد يصل إلا إذا سار عليه ؛ علم مصطلح الحديث، ولذا عظمت عناية العلماء به في جميع الأوقات، فلا يحصى كم فيه من المصنفات، من مختصرات إلى مطولات فأول من يعرف أنه كتب فيه شيئا مذكورًا السنة الإمام المتبوع العلم أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي (ت : ٢٠٤هـ) رحمه الله تعالى وذلك في كتابه «الرسالة»، ولكنه لم يكن يعمد إلى استقصائه، ولا قصد أصلا إلى استيفائه، ويحتمل أن يكون الذي تلاه في ذلك الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحُميدي شيخ البخاري (ت: ٢١٩هـ) رحمه الله تعالى فإن الخطيب البغدادي نقل عنه في «الكفاية»(۲) في نحو عشرة مواضع بإسناد واحد كلامًا في مسائل من علوم الحديث على طريقة المصنفين في ذلك الوقت، ثم جاء بعد ذلك الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت: ٢٦١هـ) رحمه الله تعالى فصنف الصحيح وقدم له بمقدمة نفيسة تطرق فيها إلى طائفة من علوم ،الاصطلاح، ثم تلاه الإمام أبو داود الأشعث السجستاني (ت : ٢٧٥هـ) رحمه الله تعالى، فكتب رسالته إلى أهل مكة يتحدث فيها عن كتابه «السنن وتعرض لمسائل من علوم الحديث كذلك، ثم جاء الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت: الله تعالى، فصنف كتابه «الجامع، وختمه بكتاب العلل الصغير وهو من أجود ما صنف في علوم الحديث ولم يقصد الاستيعاب كسابقيه وبعد ذلك كتب الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي

(ت: ۳۲۱هـ) رحمه الله تعالى رسالته في التسوية بين حدثنا وأخبرنا» وهي بكاملها مودعة في شرح مشكل الآثار وطبعت مفردة، ثم كتب الإمام أبو حاتم محمد بن حِبَّان البُسْتِي (ت : ٣٥٤هـ) كتابيه «الثقات» و«المجروحين»،

وقدم لهما بمقدمتين نافعتين تعرض فيهما للكلام في بعض علوم الحديث . ويلاحظ أن هذه الكتابات في فن المصطلح من لدن الشافعي وحتى ابن حبان، لم تتسم بصفة الاستقلال ولا الشمولية ولذا لم يتعرض لها الحافظ ابن حجر في معرض تأريخه للمصنفات في هذا الفن، وإنما بدأ بأول كتاب مستقل في هذا الشأن، وإن لم يكن شاملاً لجميع أنواعه، فقال رحمه الله تعالى في مطلع «نزهة النظر» : فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت للأئمة في القديم والحديث، فمِن أوّلِ مَن صَنَّفَ في ذلك : القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه: «المحدث الفاصل، لكنه لم يستوعب ، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يُهَذِّب، ولم يُرَتِّب. وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعَمِل على كتابه مستخْرَجًا وأبقى أشياء للمُتَعَقِّب . ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصَنَّفَ في قوانين الرواية كتابًا سَمَّاهُ: «الكفاية»، وفي آدابها كتابًا سَمَّاهُ: «الجامع لآداب الشيخ والسامع ، وقَلَّ فَنَّ مِن فنون الحديث إلا وقد صَنّف فيه كتابا مفردًا ؛ فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة : كلُّ مَن أنصف عَلِم أنّ المحدثين بعد الخطيب عيال على كُتُبِهِ. ثم جاء بعضُ مَنْ تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب ، فَجَمع القاضي عياض كتابًا لطيفًا سَمَّاهُ «الإلماع». وأبو حفص الميَّانِجي جزءًا سَمَّاهُ : ما لا يسعُ المحدِّثَ جَهْلُهُ (۱). وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبُسِطَتْ لِيَتَوَفَّر علمها ، واخْتُصِرَتْ لِيَتَيَسَّر فهمها، إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبد الرحمن الشَّهْرَزُورِي نزيل دمشق فجمع - لَمّا وَلِيَ تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية -

كتابه المشهور، فهذَّب فُنُونَهُ، وأملاه شيئًا بعد شيء؛ فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضَمَّ إليها من غيرها نُخَبَ ،فوائدها فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره ؛ فلهذا عَكَف الناسُ عليه، وساروا بسيره فلا يُحْصَى كم ناظم له ومُخْتَصِرٍ ، ومستدرك عليه ومُقْتَصِرِ ، ومعارِض له ومنتَصِرٍ » (۱) . وصدق الحافظ وبر؛ فقد كثرت العناية بكتاب ابن الصلاح، حتى أصبح من كتب الفن بمنزلة الأم، وشغل العلماء وقتا طويلا، وتنوعت صنوف العناية به على ما بيَّنه ،الحافظ، وكان من مظاهر العناية به تسهيله واختصاره للطلبة ليسهل استحضاره وأول من أعرفه قام باختصاره هو الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت : ٦٧٦هـ) رحمه الله تعالى في إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق»(۲)، ثم رجع فاختصر هذا المختصر في كتابه التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير الأصل الذي شرحه السيوطي في تدريب الراوي، وشرحه كذلك الحافظ العراقي قبل ذلك، وكذلك شرحه الحافظ السخاوي - رحمهم وكتاب «التدريب للحافظ جلال الدين السيوطي يعد واحدا الكتب التي صنفت في علوم الحديث وأكثرها ذيوعا بين الطلبة، وما ذلك إلا لحسن ،عبارته وعذوبة لفظه وقصد مصنفه فيه الإحاطة بمسائل هذا الفن، والسيوطي معروف باستقصائه وجمعه لأطراف المسائل التي يعتني بالتصنيف فيها، وهو واحد من أولئك الذين رزقوا حسن التصرف في التصنيف، وكتب لمصنفاتهم القبول بين الناس على ما يقع فيها من قلة التحرير أحيانًا، والأوهام التي لا يسلم منها المكثرون من المصنفين في شتى العلوم، ولا يعاب هؤلاء بما يقع لهم مما ذكرنا فإن الكمال محال لغير ذي الجلال والخطأ والنسيان من لوازم الإنسان.

وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا كَفَى المَرْءَ نُبلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ أهمية هذا الكتاب ودخوله في مقررات الدراسة الحديثية في كثير من الجامعات الشهيرة؛ فلم يعتن به أحد العناية اللائقة، ولم تخرج له نسخة يصح أن تسمى محققة، وعامة الفضلاء الذين اعتنوا بنشره لم يعتنوا بجمع نسخه الخطية مع توفرها وسهولة الوصول إلى كثير منها، وإنما اكتفى كل واحد بما ساقه القدر من نسخ إليه، بغض النظر عن قيمة هذه النسخ أو كفايتها في هذا العمل وهذا خروج عن الجادة التي اختطها المحققون، وقعد لها الأولون، فجاءت أعمالهم قاصرة عما يريدون.

ومن هنا فقد صح مني العزم على خدمة هذا الكتاب الخدمة التي تليق به، وأسأل الله تعالى أن يقر به أعين محبي السنة ودارسيها، وقد بذلت فيه من الجهد ما الله به عليم، ولم آل في ضبطه وتدقيق لفظه، على النحو الذي سيراه مطالعه، إن شاء الله تعالى.

وقد قدمت بين يدي عملي هذا عدة مباحث مفيدة لمطالعه وهي :

المبحث الأول : التعريف بالإمام السيوطي صاحب «التدريب»، والإمام النووي صاحب التقريب».

المبحث الثاني : التعريف بالكتاب تدريب الراوي»، وبيان منهج مصنفه فيه، والمقارنة بينه وبين الشروح الأخرى. المبحث الثالث: عملنا في هذه النشرة والتعليق على أهم الطبعات السابقة .

وأسأل الله تعالى الذي من بإتمامه أن يمن بقبوله وأن ينفع به، إنه بكل جميل كفيل وهو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا .حامدا ومصليًا على سيد ولد آدم

وكتب

مازن بن محمد السرساوي

يرجى ادخال معلوماتك لإكمال الطلب

1

تكلفة الشحن
شحن مجاني
الاجمالي
1650 ج.م