
1900ج.م
hayat alsalaf bayn alqawl waleamal 1/2 حياة السلف بين القول والعمل 1/2
تأليف: أحمد بن ناصر الطيار
جزء من المقدمة -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فضَّلنا وجعلنا خير الأمم ، وأرسل إلينا رسولا زكَّاه بأحسن الأخلاق وأعظم القيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من على هذه الأمة بأوفر العطايا وأجمل النّعم ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، من سار على هديه أوصله إلى أعالي القمم، ومن حاد عن طريقه تجرّع الذل والصغار والندم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه سادات العرب والعجم، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلقد ترك لنا علماؤنَا الأجلاء علُومًا كثيرةً في شتّى الفنون، حتّى كتبوا في السلوك والأخلاق والسياسة والمنطق والطَّب وغيرها من أنواع العلوم المفيدة، والفضل الله ثم لهم في تقييد هذه العلوم والآثار عمن سبقهم، ولولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين لانْحَلَّ مع النسيان عقود الآخرين». (۱)
وَمِمَّا كَتَبُوا فِي ذَلِكَ وَصَنَّفُوا:
الكتب التي تجمع أقوال وأحوال السلف الصَّالح مِن الصَّحابة والتابعينَ وتابعيهم، ولا شكّ أنَّ كلامَ علماءِ السَّلف أعظمُ تأثيرًا وفائدةً مِن كلام مَن جَاءَ
لحياة السلف بين القول والعمل الجزء الأول بعْدَهم؛ فإنَّهم مِن القُرُون المُفضّلة التي شَهِدَ لَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالخيريَّة، حيث قال:
(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) .
فإذا أكثر المسلم مطالعة كتبهم وأدام النظر في كلامهم وأحوالهم؛ استفاد فائدةً عظيمة، يظهر أثرها عليه في أخلاقه وسلوكه، وسيعظُم قدْرُه وقَبولُه عِنْد النَّاسِ. وحاجة الناس للقدوات ماسّةً جدا خاصة في هذ الزمن الذي كثرت فيه الفتن والشهوات والشبهات، وانتشرت فيه القيم الغربية والشرقية المنحرفة عن الفطرة السويّة، ومهما اجتهد المسلم في إصلاح نفسه وأخلاقه وقلبه سيجد صعوبة ومشقة.
وأعظم قدوة لنا في ديننا وأخلاقنا وصلاح ظاهرنا وباطننا -بعد الأنبياء وخاصة نبينا صلى الله وسلم عليهم أجمعين - : الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان خاصة في القرون المفضلة.
وأحسنُ ما يصيب من الحديث محدثنا أن ينظر في كتبهم، فيكون كأنه إياهم يحاور، ومنهم يستمع.
غير أنَّ الذي نجد في كتبهم هو المُنتخل (۲) من آرائهم، والمنتقى من أحاديثهم.
وَغَرَضِي مِنْ هَذَا الكِتَابِ
عرض وإبراز ما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم في سيرهم أخلاقهم، وحياتهم؛ ليعيش المسلمُ حياة سلفه الصالح، ويقف على حسُنِ وجميل تعاملاتهم، وعظيم عباداتهم ، وصلاح سرائرهم، وسلامة صدورهم، وصفاء عقائدهم، وغير ذلك ممَّا يزيدُ مِن همّته، ويحثه على الاقتداء بهم، وَالتَّمَسُّكِ بآثارهم؛ فعند ذلك سيلاحظ مع الأيام تغيرا ظاهرا في حاله وقلبه، وفي تعامله وأخلاقه.
واعتنيت بتنقية وتصفية كلّ ما أُلصق بهم كذبًا وبهتانا، أو ما صدر عن بعضهم من الأخطاء التي فعلها باجتهادٍ منه وحُسنَ نيَّة.